يعتبر الكراء حلاً سكنياً
أساسياً يلجأ إليه ملايين المغاربة، سواء كانوا عائلات حديثة التكوين، طلبة، أو
مهنيين ينتقلون بين المدن. لكن، ولطالما كانت العلاقة بين "المكري" (مول
الدار) و"المكتري" (الكاري) حقل ألغام مليء بالتوترات والمشاكل التي
غالباً ما تنتهي في ردهات المحاكم، وتستنزف وقت وجهد الطرفين.لذلك، جاء القانون رقم 67.12 بمثابة طوق
نجاة، لينظم هذه العلاقة التعاقدية ويحدد بوضوح تام حقوق وواجبات كل طرف، قاطعاً
الطريق على العشوائية. في هذا الدليل الشامل، سنشرح لك بلغة مبسطة وواضحة أهم ما
جاء به قانون الكراء الجديد لسنة 2026، وكيف تحمي نفسك قانونياً سواء كنت تملك
عقاراً أو تبحث عن كراء.
1. عقد الكراء: الوثيقة التي تحميك من
"النصب"
انتهى زمن "الكلمة" أو
الكراء الشفهي الذي كان سبباً في ضياع حقوق الكثيرين. القانون الجديد أصبح صارماً
في هذه النقطة، حيث يلزم الطرفين بتحرير عقد كتابي ثابت
التاريخ.
لكي يكون العقد قانونياً ويحميك،
يجب أن يتضمن بوضوح:
·
هوية الطرفين: الأسماء الكاملة،
أرقام البطاقة الوطنية.
·
وصف العقار: العنوان، المساحة،
عدد الغرف، والمرافق التابعة له.
·
السومة الكرائية: تحديد المبلغ
الشهري بدقة، وطريقة الأداء.
·
المدة: تحديد مدة العقد
(سنة قابلة للتجديد مثلاً).
·
الغرض من الكراء: هل هو للسكن فقط
أم للاستعمال المهني (لأن القانون يختلف).
نصيحة ذهبية: لا تكتفِ بتوقيع
العقد، بل يجب المصادقة على التوقيعات (Légalisation) لدى
السلطات المحلية المختصة. كما يُنصح بشدة بإرفاق العقد بـ "بيان وصف حالة المحل" (État des lieux) عند الدخول، لتجنب اتهامك بأضرار لم تقم بها عند الخروج.
2. التزامات صاحب البيت (المكري)
يظن البعض أن دور "مول
الدار" يقتصر على استلام المال، لكن القانون 67.12 يفرض عليه التزامات واضحة:
·
تسليم المحل في حالة
صالحة: يجب أن يكون السكن
صالحاً للاستعمال، تتوفر فيه شروط السلامة الصحية، التهوية، والإنارة. لا يحق
للمكري كراء "قبو" غير صحي أو منزل آيل للسقوط.
·
إعطاء وصل الكراء (Quittance): هذه نقطة يغفل
عنها الكثيرون. المكري مجبر قانونياً بمنح توصيل للمكتري عند استلام واجب الكراء
الشهري. رفض منح الوصل يعتبر مخالفة قانونية، ويعتبر الوصل هو دليلك الوحيد بأنك
تدفع بانتظام.
·
الصيانة الضرورية: المالك ملزم
بإجراء الإصلاحات الكبرى التي تؤثر على بنية العقار (مثل تسربات المياه في
الجدران، مشاكل السطح، أو التصدعات)، ما لم ينص العقد على خلاف ذلك.
·
ضمان الانتفاع
الهادئ: لا يحق للمكري
اقتحام المنزل، أو الاحتفاظ بمفتاح إضافي للدخول في غياب المكتري، أو إزعاجه دون
إذن مسبق أو سبب قانوني وجيه.
3. واجبات
المكتري (الكاري)
في المقابل، يتمتع المكتري
بحقوقه شريطة الالتزام بواجباته، وأهمها:
·
أداء السومة
الكرائية بانتظام: دفع واجب الكراء
في الوقت المحدد في العقد (غالباً قبل اليوم الخامس من كل شهر). التأخير المتكرر
قد يكون سبباً في فسخ العقد.
·
أداء تكاليف
"السانديك": إذا كان العقار في
عمارة مشتركة، فالمكتري ملزم بدفع واجبات الاتحاد (السانديك) للحفاظ على نظافة
وإضاءة الأجزاء المشتركة.
·
الحفاظ على العقار: المكتري مسؤول عن
أي ضرر يلحق بالمنزل ناتج عن سوء الاستعمال (تكسير الأبواب، حرق، إتلاف
الصباغة...).
·
عدم تغيير معالم المحل: يمنع منعاً كلياً
هدم حائط، أو فتح نافذة، أو تغيير التقسيم الداخلي للمنزل دون موافقة كتابية صريحة
من المالك. القيام بذلك قد يعرضك للطرد الفوري والتعويض.
4. متى
يحق للمالك طرد المكتري؟ (مسطرة الإفراغ)
هذه هي النقطة الأكثر جدلاً
وخوفاً لدى الطرفين. سابقاً، كانت قضايا الإفراغ تستغرق سنوات. لكن القانون 67.12 جاء بمسطرة
مبسطة وسريعة للإفراغ في الحالات التالية:
1.
عدم أداء الكراء: إذا توقف المكتري
عن الدفع، يمكن للمالك توجيه إنذار قضائي. إذا لم يتم الأداء داخل الأجل المحدد في
الإنذار، يتم استصدار حكم بالإفراغ بسرعة من طرف رئيس المحكمة.
2.
تغيير المحل دون إذن: إذا قام المكتري
بإحداث تغييرات جوهرية في بنية العقار دون موافقة المالك.
3.
إهمال المحل: إذا تسبب المكتري
في أضرار جسيمة للعقار أو استعمله في غير الغرض المخصص له (مثلاً تحويل شقة سكنية
إلى ورشة صناعية مزعجة).
4.
الاسترجاع للاستعمال
الشخصي: يحق للمالك
استرجاع منزله ليسكن فيه هو شخصياً، أو زوجته، أو أحد أصوله (والديه) أو فروعه
(أبنائه). لكن هذا الحق مقيد بشروط صارمة ومسطرة خاصة تتطلب إشعاراً مسبقاً بفترة
كافية.
5. الضمانة
(Caution): كم تساوي وكيف تُسترجع؟
يحدد القانون مبلغ الضمانة في شهرين كحد أقصى بالنسبة
للكراء السكني. هذا المبلغ ليس "هدية" للمالك، بل هو تأمين لتغطية أي
أضرار محتملة أو فواتير غير مدفوعة.
·
متى تُسترجع؟ يتم
استرجاع هذا المبلغ كاملاً عند نهاية العقد ومغادرة المنزل وتسليم المفاتيح، وذلك
بعد إجراء معاينة للتأكد من أن العقار في حالة جيدة، والتأكد من عدم تراكم فواتير
الماء والكهرباء.
·
نصيحة: تذكر أن تكاليف
إصلاح الأعطال الكبيرة عند المغادرة قد تكون باهظة وتقتطع من الضمانة، تماماً مثل
أهمية دفع مصاريف التحفيظ التي تضمن قيمة العقار، فإن الحفاظ
على العقار يضمن لك استرجاع ضمانتك.
خاتمة
قانون الكراء 67.12 جاء لإنصاف
الطرفين وإعادة الثقة لسوق العقار في المغرب. سواء كنت تملك عقاراً وتخاف من
الكراء، أو كنت تكتري وتبحث عن الاستقرار، فإن احترام بنود العقد المكتوب وأداء
الواجبات بانتظام هو السبيل الوحيد لتجنب المشاكل. تذكر دائماً: "العقد شريعة
المتعاقدين"، والتوثيق القانوني هو حمايتك الأولى.